
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد،
فإن موت العلماء لمن أعظم الكوارث التي تحل بالأمم، قال الله تعالى: ﴿أولم يروا انا ناتي الارض ننقصها من اطرافها﴾ (الرعد: 41). قال ابن عباس: "خرابها بموت فقهائها وعلمائها وأهل الخير منها". وقال الحسن البصري: "كانوا يقولون: موت العالم ثلمة في الإسلام لا يسدها شيء ما اختلف الليل والنهار". وفي الحديث المتفق عليه: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالما، اتخذ الناس رؤوسا جهالا، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا".
وقد تلقينا في زاوية الشيخ محمد المامي، ببالغ الأسى والأسف، وفاة العلامة الشيخ الدكتور محمد المختار بن اباه، الشخصية الفذة، التي كان لها أكبر الأثر في التاريخ الثقافي المعاصر في بلادنا.
لقد اشتهر الفقيد الكريم بنبوغه وعبقريته، منذ نعومة أظفاره، وقد ورث المشيخة العلمية والصوفية عن أجداده الكرام، ورزقه الله مقدارا عظيما من علو الهمة؛ فعاش حياته دارسا باحثا، فجمع بين الأصالة والمعاصرة، ورسخ في العلوم الشرعية والأدبية، واطلع على الآداب والحضارات الأجنبية، وحصل على أعلى الشهادات العلمية، من أرقى الجامعات الدولية، وترقى إلى أعلى المناصب في المنظمات الثقافية الدولية، وكان من رواد عهد الاستقلال، وبطلا من أبطال مقاومة الاستعمار.
وكان دائما سفير المحظرة الشنقيطية، يحمل روحها ومنهجها وتراثها أينما حل وارتحل.
وقد أنجز مكتبة متكاملة من البحوث العلمية في العلوم الإسلامية، توجها بترجمته لمعاني القرآن الكريم إلى اللغة الفرنسية، كما كان شاعرا مبدعا وأديبا منشئا. وكان له الدور الأعظم في تأسيس التعليم العالي في بلادنا وتطويره، عن طريق توليه إدارة المدرسة العليا لتكوين الأساتذة، ثم تأسيس جامعة شنقيط العصرية.
هذا إلى ما رزقه الله تعالى من محاسن الأخلاق وطيب الشيم، بحيث صار مضرب الأمثال في هذا المجال.
وعلاوة على ما كان يربط الفقيد الكريم بزاوية الشيخ محمد المامي، من علاقة علمية وصوفية عامة، فقد كانت له علاقة خاصة بالشيخ محمد المامي، فقد كان معجبا بالشيخ مهتما بتراثه، شارحا لعلومه وفكره، وقد خلد ذلك في جميع بحوثه العلمية العظيمة.
وبهذه المناسبة الأليمة فإننا نعزي أنفسنا ونعزي أسرة الفقيد الكريم، وجميع تلاميذه ومحبيه، وسائر الموريتانيين والمسلمين في العالم، ونذكرهم بقول الله تعالى: ﴿وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون﴾ (البقرة: 155 - 157).
وندعو الله تعالى أن يرحم الفقيد الكريم ويسكنه فسيخ جناته مع الذين أنعم الله عليهم من النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين، وأن يلهم ذويه الصبر والسلوان، وأن يبقى علمه وفكره منارة للأجيال القادمة، للاهتداء به إلى الصراط المستقيم.
عن المجلس العلمي لزاوية الشيخ محمد المامامي
محمد المامي بن محمد بن عبد العزيز بن الشيخ محمد المامي